لا شك أن السفر عبر شبكة شكل متنفساً أمام الشباب للقيام بجولة حول العالم دون أن يغادروا غرفهم، لكن السؤال الذي يقلقنا يكمن في طبيعة الأهداف من دخول الشبكة. ويتبين من خلال متابعاتي أن الهدف في أغلب الأحيان ليس للمعرفة ولا للتوعية، وإنما للتواصل على مستويات متباينة يقع في مقدمتها رغبة الترفيه واختراق حجب الممنوعات في البلد الذي يعيش الشاب فيه.
يصف بعض الشباب الذين يتجولون عبر الانترنت أحاسيسهم عند الدخول لأول مرة إلى هذا العالم الجديد بأنه يشبه إحساس شخص ينظر عبر نافذة زجاجية صغيرة في طائرة تجول العالم، وتنتقل به من بلد إلى آخر بسرعة هائلة بمجرد ضغطه على بعض الأزرار وتحريكه لمؤشر اختيار البيانات (الماوس أو الفأرة).
ويقول بعض المستخدمين لبرنامج المحادثة الإلكترونية الشهيرة مثل (الماسنجر)، أن دخولهم إلى هذا البرنامج يشبه لحظة توقف مسافر وسط تجمع كبير من الناس خلال رحلته الواسعة للتعرف إلى أشخاص جدد كي يفك عنه طوق الغربة في هذا العالم الافتراضي الجديد والممتع في آن واحد.
يتجول أحد أصدقائي عبر الانترنت في مواقع الأخبار، ما يشعره وكأنه موجود في قلب الأحداث، ويزداد إحساسه هذا حين يشاهد أحداثاً منقولة بالصوت والصورة. ويقول:" البعض يقول أنه يمكن أن يفعل نفس الشيء من خلال القنوات التلفزيونية، ربما يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، لكني أرى أن التجول عبر الانترنت أفضل بكثير، حيث يمكنني من اختيار البلد الذي أرغب في زيارته، ومتابعة أحداثه وقتما شئت، وهذا غير متوفر في التلفزيون".
ويعتبر زميلي أ.هشام أن تجوله الافتراضي حول العالم عبر الانترنت هو مرحلة انتقالية للتجول الفعلي في عالم الواقع، إذا ما أتيحت له دعوة من أحد أصدقائه، من الذين تعرّف إليهم ببرنامج المحادثة الالكترونية، لزيارة بلدانهم.
أما زميلتي أ.سلمى التي تعتز بعاداتها وتقاليدها، فترى أنه من الصعب عليها أن تجوب العالم بالفعل لأنها قد تتعرض إلى أمور لا ترغب في التعرض إليها، والانترنت يوفر لها بيئة أكثر أماناً، من دون أن تنفي احتمال حدوث مضايقات تتعرض لها الفتيات من قبل بعض الشبان عبر الإنترنت، إلا أنه بوسع الفتاة أن تحجب من يضايقها أو تنصرف فوراً خارج برنامج المحادثة أو الشبكة كلها وقتما شاءت، وقد لا تستطيع فعل ذات الشيء في الواقع إذا ما كانت بمفردها في بلد غريب ومكان منعزل.
وإذا كان الشباب يقدِّرون بأن الخبرات التي يكتسبونها من خلال سفرهم عبر الشبكة العنكبوتية لا تضاهي بأي حال من الأحوال ما يمكن أن يكتسبونه من تجوالهم الحقيقي في عالم الواقع، فإنهم يعتقدون أن تحولاً قد حدث في وجهات نظرهم بعد التجوال الافتراضي وملاقاة أشخاص من شعوب مختلفة يتحدثون معهم في أمور ومجالات عديدة، وقد يختلفون في وجهات النظر، إلا أن رغبتهم في البقاء كأصدقاء كانت تساعدهم على تجاوز كل خلاف نظري يطرأ بينهم حول قضية معينة.
ما توفره تقنية الانترنت من فرص للشباب للتلاقي والتعبير عن الرأي وإشباع الفضول، يبقى في تحليلي بمثابة مادة تخديرية متعاظمة تختصر صور الحياة وتحولها إلى تيار يصب داخل جدران الغرفة التي يقع فيها جهاز الكمبيوتر.