بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
........................................
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه **** وصدق ما يعتاده من توهم
مما يحزن المرء كثيرا إن هذا الأمر قد تفشى بين المسلمين و انتشر فيهم
انتشار النار في الهشيم إلا من رحم الله فصار سوء الظن مقدما على إحسان
الظن بل ربما لم يعد للظن الحسن محل في بعض القلوب حتى شرع أصحابها يفسرون
الأمور حسب أهوائهم و كيفما يشاءون .
وينظرون لغيرهم نظرة اتهام وشك وريبة ينظرون نظرة مبينة على أسس واهية
مختلقة وأوهام نسجت في الخيال وظنون سيئة ووساوس شيطانية و ربما غذيت هذه
النظرة بخلافات شخصية ونمت في ظل حقد و حسد وترعرعت في غَيرة مذمومة
وكراهية متنامية سواء لأمر ديني أو دنيوي.
فنجاح البعض وقبولهم في أواسط الناس وإقبال الناس عليهم وحبهم لهم قد "
يلهب " مشاعر الحسد والغيرة والكراهية في بعض النفوس فيجعل قلب الحاسد
نارا تلظى يصلى بعذابها فيكون هو الأشقى .
وقد يكون سوء الظن لغير ذلك من الأسباب فيأخذ الجهل منه نصيبا كبيرا ولعلنا نوجز القول بتغيير بعض كلمات بيت شعري مشهور فنقول :
تعددت الأسباب وسوء الظن واحد
وأيا كانت الأسباب يبقى سوء الظن صورة سيئة للغاية وفعل مذموم قبيح يشين
صاحبه ما لم تكن هناك دلائل قوية تعضده وبراهين تؤكده ترقى به من الظن إلى
اليقين .
لذا نقول لكل من وقع في مثل ذلك أو أوشك على الوقوع اتق الله في نفسك وفي
إخوتك وأحسن الظن بهم والتمس لهم الأعذار ما استطعت لذلك سبيلا إلى سبعين
عذرا فإن لم تجد لهم عذرا فلُم نفسك أن عجزت عن إعذار إخوتك واتهم نفسك
بالتقصير .
كما ونحذر أولئك من إلقاء التهم على إخوتهم جزافا هذا وليُعلم أن هذا
الفعل خلق ذميم منبوذ وهو من خصال الشر المولدة للعداوة والبغضاء والحقد
والكراهية .
وقد دعا ديننا إلى إحسان الظن بالمسلم عموما بل و من الواجب على كل منا الذب عن عرض أخيه والدفاع عنه إن انتقص منه أو أغتيب .
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار )) . صحيح الجامع .
فاحذر أخي الشيطان ومسالكه ودروبه وحبائله وشراكه فإنه يجري من ابن آدم
مجرى الدم فلا تجعل له عليك سبيلا يتسلط بوساوسه يغريك في إخوتك لتسيء
الظن بهم و تتهمهم في نياتهم تفسر كلامهم على غير المراد تُأولُه وفق ما
يناسب هواك تَحمِل أقوالهم على غير المقصود وتُحَمِل حديثهم ما لا
يَحتَمِل تترك الحبل على الغارب للشيطان ليرديك المهالك فتطعن بهذا وتقذف
ذاك وتأكل لحم أخيك تنتهك حرمته وتذبح تحت قدميك كرامته تطلق للسانك
العنان وعينيك تتبع عثرات وزلات الإخوان وإن لم يكن هناك ثمّ عثرة أو زلة
لكن هكذا أصبحت وأمسيت تبصر القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عين نفسك
شغلتك عيوب الناس عن عيوب نفسك المزكاة .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار )) . صحيح الجامع
فاتق الله يا هذا و اتق في نفسك وفي إخوتك و اتقِ الظلم، فإن ظلمات يوم
القيامة وتذكر أن عند الله تجتمع الخصوم يوم لا دينار ولا درهم وربما
تكون حينها من المفلسين ففي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه يقول:
(( أتدرون ما المفلس إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام
وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى
هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من
خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )) .
فللإخوة في الله حقوق كثيرة يجب عليك رعايتها ومراعاتها وعدم التفريط بها
إن كنت تدعي أنك أخٌ في الله محب مشفق فالحقوق كثيرة فتعلمها إن كنت تجهل
واعرفها حق المعرفة واحفظها حفظك لإسمك وطعامك وشرابك ولا تفرط بها واعلم
أنه كما تدين تدان وأن الجزاء من جنس العمل ولن يسعني المجال هنا لأسردها
لك لكن أذكرك فقط بما جاء في الحديث الحسن أن(( أفضل الأعمال أن تدخل على
أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا )) . صحيح الجامع .
فهل فعلت من ذلك شيئا أم أدخلت على أخيك هما وغما وحزنا وألما قذفته وطعنته من حيث يأمنك ووجهت له سهام الغدر من حيث أطمأن لك .
بالله كيف بك لو كنت مكانه وفي مثل حاله و قد ظلمك أحدهم كما ظلمت أنت أخيك وافتريت عليه الكذب .
اجعل نفسك مكانه وفي مثل موقفه و قد أحاطت بك نظرات الإتهام والشك
وتقاذفتك عبارات سوء الظن من كل جانب دون أن يكون لها وجود إلا في خيال
الظآن ووساوسه وأوهامه فقط تخيل نفسك ربما وضح لك الأمر جليا لو شعرت أو
شربت من كأس أسقيته غيرك مرا وحنظلا .
فاحرص على نفسك فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فإنها تحمل على
الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين وتصعد إلى السماء
كأنها شرارة.
وانظر لقول عمر رضي الله عنه:
ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك منه ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا .
وما أحسن ما أخرجه الرافعي عن أبي اسحاق السبيعي
قال : كان علي بن أبي طالب يذاكر أصحابه وجلساءه في حسن الأدب بقوله :
وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى **** فإنك راء ما عملت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربـــــــــــا **** فانك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربـــــا **** فانك لا تدري متى الحب راجع
بجزء من نصيحة علي رضي الله لإبنه الحسن رضي الله عنه يعظه وذكره حيث يقول :
وامحض أخاك النصيحة ، وساعده على كل حال، وزل معه حيث زال ، ولا تطلبن منه
المجازاة ، فإنها من شيم الدناءة ، وخذ على عدوك بالفضل ، فانه أحرى
للظفر، لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب ، ولن لمن
غالظك فانه يوشك أن يلين لك ، ما أقبح القطيعة بعد الصلة ، والجفاء بعد
اللطف، والعداوة بعد المودة ، والخيانة لمن ائتمنك ، وخلف الظن لمن
ارتجاك، والغرر بمن وثق بك ، وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك
بقية ، ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه ، ولا تضيعن بر أخيك اتكالا على ما بينك
وبينه ، فانه ليس باخ من أضعت حقه .
وأخيرا نذكر بقوله تعالى :
(( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا
اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ))
الأحزاب 58.
فلا تؤذ أحد من إخوتك فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ **** يدعو عليك وعين الله لم تنم
فبالله عليك كيف تجرؤ على أن تبيت ظالما ؟