السؤال:
هل يجوز إنهاء الحمل خلال الأيام الأولى بعد حدوث الإخصاب؟
الاجابه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فإنَّ الجنين إذا ما تَمَّ له أربعة أشهُرٍ نُفِخَ فيه الروح؛ فيحرم حينئذٍ إنهاء الحمل؛ لأنه قَتلُ نفسٍ خلَقَها الله، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَال {إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ} رواه البخاري ومسلم
والواجب أنْ يسعَى العبدُ إلى إبقاءِ الحمل ـ ولو قبل نَفْخِ الرُّوحِ ـ إلا إذا كان في ذلك ضَررٌ مُحقَّقٌ على الزوجة وخَطرٌ على حياتِها بنصيحة الطبيبِ الثقةِ الحاذق. وقد روى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال {كُنَّا نَعْزِلُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: أوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟! ـ قَالَهَا ثَلاثًا ـ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ}. وفي روايةٍ: َفقَال {لا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا؛ مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا سَتَكُونُ} رواه البخاري ومسلم. قال النووي رحمه الله: ”مَعْنَاهُ: مَا عَلَيْكُمْ ضَرَرٌ فِي تَرْك الْعَزْل؛ لأنَّ كُلَّ نَفْسٍ قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقَهَا لا بُدَّ أَنْ يَخْلُقهَا سَوَاءً عَزَلْتُمْ أَمْ لا، وَمَا لَمْ يُقَدِّرْ خَلْقَهَا لا يَقَعُ سَوَاءً عَزَلْتُمْ أَمْ لا؛ فَلا فَائِدَة فِي عَزْلِكُمْ؛ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقَهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء؛ فَلا يَنْفَعُ حِرْصُكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق” [شرح النووي على مسلم 5/164]. وقال ابنُ حجر: ”إِنَّمَا أشَارَ أَنَّ الأوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ؛ لأنَّ الْعَزْل إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ حُصُولِ الوَلَد؛ فَلا فَائِدَة فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّ اللَّه إِنْ كَانَ قَدَّرَ خَلْقَ الْوَلَد لَمْ يَمْنَع الْعَزْلُ ذَلِكَ؛ فَقَدْ يَسْبِق الْمَاء وَلا يَشْعُر الْعَازِل؛ فَيَحْصُل الْعُلُوق وَيَلْحَقهُ الْوَلَد، وَلا رَادَّ لِمَا قَضَى اللَّه، وَالْفِرَارُ مِنْ حُصُول الْوَلَد يَكُون لِأَسْبَابٍ: مِنْهَا... الفِرَار مِنْ كَثْرَة الْعِيَال إِذَا كَانَ الرَّجُل مُقِلاًّ؛ فَيَرْغَب عَنْ قِلَّة الْوَلَد لِئَلا يَتَضَرَّر بِتَحْصِيلِ الْكَسْب، وَكُلّ ذَلِكَ لا يُغْنِي شَيْئًا”.[فتح الباري 15/8]. فلا يَنبغي للسائلِ الكريم أن يَخْشَى على رِزقِ من يُولَدُ له؛ فإنَّ رِزقَه مكتوبٌ وهو في بطنِ أُمِّه، ولْيَتَذكَّر أنَّ العبدَ يَنتفِعُ بذُرِّيتِه إذا أحسنَ تربيتَهم ويبقَى له بعد موتِه (ولدٌ صالِحٌ يدعو له). وقد حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على إكثارِ النَّسلِ. ولا شكَّ أنَّ إنهاءَ الحملِ قبل نفخِ الرُّوح أولى بالكراهةِ وأشَدُّ من العَزْل. قال ابنُ حجر: ”يُنْتَزَع مِنْ حُكْم الْعَزْل حُكْمُ مُعَالَجَةِ الْمَرْأَة إِسْقَاطَ النُّطْفَة قَبْل نَفْخ الرُّوحِ؛ فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ هُنَاكَ فَفِي هَذِهِ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ يُمْكِن أَنْ يَلْتِحَق بِهِ هَذَا، وَيُمْكِن أَنْ يُفَرَّق بِأَنَّهُ أَشَدّ؛ لأَنَّ الْعَزْل لَمْ يَقَعْ فِيهِ تَعَاطِي السَّبَب، وَمُعَالَجَة السِّقْط تَقَع بَعْد تَعَاطِي السَّبَب، وَيَلْتَحِق بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة تَعَاطِي الْمَرْأَة مَا يَقْطَع الْحَبَل مِنْ أَصْله، وَقَدْ أَفْتَى بَعْض مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّة بِالْمَنْع”.[فتح الباري 15/8].