الفادني عضو مميز
| موضوع: دعم وتأييد الرسول الأكرم (ص) للشباب الجمعة يوليو 31, 2009 10:32 pm | |
| دعم وتأييد الرسول الأكرم (ص) للشباب
الشيخ محمد تقي فلسفي كان الرسول الأكرم (ص) يولي قبل أربعة عشر قرناً هذه المسألة الإجتماعية المهمة اهتماماً خاصاً وكان يعتمد في أكثر الأعمال حساسية في دولته الصغيرة الفتيّة على عنصر الشباب. وقد أناط (ص) العديد من المسؤوليات المهمة في تلك الحقبة بشبّان أكفّاء وكان يعلن صراحة عن تأييده ودعمه لهم قولاً وعملاً، ومثل هذه الخطوة لم يكن من السهل تحقيقها بسبب تفشّي الجهل والتعصّب في نفوس الناس آنذاك، إذ لم يكن الطاعنون في السن مستعدين لإطاعة أوامر الشباب وتسليم أمورهم لمن هو أصغر منهم سناً. ولهذا عندما كان الرسول الأكرم (ص) يختار شاباً ويوكل إليه منصباً ما كان الشيوخ والكهول يتألمون وينزعجون ويعتبون على النبي الأكرم (ص) الذي كان يزداد تمسكاً بسياسته ومقاومة لكل الأفكار غير السليمة والتعصب الأعمى، وذلك بهدف تركيز دعائم هذه السياسة، وكان (ص) بكلماته وخطبه وإرشاداته الحكيمة يقنع أولئك أو على الأقل يرغمهم على السكوت. إن النبي الأكرم (ص) عندما كان يعتلي المنبر كان يدافع علانية عن الأكفّاء من الشباب الذين كان يوكل إليهم مناصب ومسؤوليات مهمة. ولكي نتعرف أكثر على موقف الرسول الأكرم (ص) من الشباب نذكر على سبيل المثال هذه القصة:- كان مصعب بن عمير أحد أصحاب النبي الأكرم (ص) من الشباب قبل الهجرة، وكان مصعب جميلاً ونبيلاً وهمّاماً وسخيّاً، وكان عزيزاً عند أبويه، وكان أهل مكّة يكنّون له الإحترام والتقدير، كان يرتدي من الثياب أجملها وكان يعيش في نعيم ورغد، كان يعشق خطب الرسول الاكرم (ص) وكلماته وينشدّ إليها بكل حواسه، وقد أدّت لقاءاته المتكررة بالنبي الأكرم (ص) وسماعه لآيات من القرآن الكريم إلى اعتناقه الإسلام. وكانت مسألة الإقتداء بالرسول الأكرم (ص) واعتناق الإسلام في تلك الأوضاع الخطيرة التي كانت تسود مكّة وبين قوم يعبدون الأصنام ويغرقون في جهلهم- وضلالهم- تعتبر ذنباً كبيراً يعاقب عليه. وكان من يؤمن بالنبي الأكرم (ص) ورسالته ودعوته لا يجرؤ على الجهر بإيمانه حتى أمام أهله وأقاربه. ومن هذا المنطلق لم يفش مصعب أمر اعتناقه الإسلام لأحد وكان يؤدي فرائضه الدينية في الخفاء. وذات يوم وبينما كان مصعب يصلّي رآه عثمان بن طلحة فأيقن بإسلامه، ونقل الخبر إلى أم مصعب، ولم يمض وقت طويل حتى انتشر الخبر بين الناس، وأخذ الجميع يتحدثون عن اعتناق مصعب الإسلام، وقد أثار هذا الأمر غضب أم مصعب وأقاربه ممّا دفعهم إلى حبسه في المنزل عسى أن يعدل عن رأيئه ويهجر الإسلام ويترك صحبة محمد (ص). لكن هذا العقاب لم يترك أدنى أثر في نفس مصعب ولم يستطع أن يثنيه عن مواصلة الدرب الذي اختاره لنفسه، لأن مصعباً الشاب قد اختار الإسلام على أساس من العقل والمنطق واعتنقه وهو في كامل وعيه، فكيف يمكن أن يغيّر عقيدته ويخسر سعادة بلغها بسبب أيام معدودة قضاها مسجوناً؟ لقد بقي مصعب متمسكاً بإسلامه مقتدياً بالرسول الأكرم (ص) وبنهجه حتى آخر عمره. "وَشَهِدَ مُصعَبٌ بَدراً معَ رسولِ اللهِ (ص) وشَهِدَ اُحُداً وَمَعَهُ لِواءُ رَسُولِ اللهِ (ص) وَقُتِلَ باُحُدٍ شهيداً". لقد ثابر النبي الأكرم (ص) على نشر دعوته في الخفاء مدة من الزمن، وبعد أن اعتنق عدد كبير من الناس الإسلام ولبّوا دعوة الرسول (ص)، أشهر دعوته إلى الإسلام بأمر من الله سبحانه وتعالى، ومن حينها بدأ بتلاوة القرآن بين أوساط الناس في مكة وأخذ ينشر دعوته بينهم. وكان المسافرون الوافودون على مدار السنة إلى مكة من الخارج للعبادة والزيارة يشارك غابليتهم في المجالس العامة التي كان يقيمها الرسول الأكرم (ص) ويستمعون إلى خطبه ومواعظه، وبعد عودتهم إلى ديارهم كان كل منهم يروي لأهله وأقاربه ما شاهده من رسول الله (ص) وسمعه منه، وأخذت دعوة الرسول الأكرم (ص) تنتشر تدريجياً في كافة مناطق الجزيرة العربية لا سيما في المدينة المنورة، وبدأ الناس يتعرفّفون على الإسلام وعلى منهجية هذا الدين السماوي المقدس. وكانت النتيجة أن أزداد عدد المؤيدين للإسلام حتى ان بعضهم قد أنشدّ إلى دعوة الرسول الأكرم (ص) قبل أن يراه. وذات يوم قدم إلى مكة رجلان من أشراف المدينة من قبيلة الخزرج هما أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس ودخلا على الرسول الأكرم (ص) في ظروف صعبة للغاية، وبعد استماعهما لحديث الرسول (ص) أعلنا إسلامهما صراحة" ثُمَّ قالا: يا رَسُولَ اللهِ ابْعَث معَنا رَجُلاً يُعَلَّمُنا القُرآنَ وَيَدْعُو النَّاسً إلى أمْرِكَ". وكانت المدينة يومها من أهم مدن جزيرة العرب، وكانت تقطنها قبيلتان معروفتان هما الأوس والخزرج، وكانت هاتان القبيلتان وللأسف تكنّان العداء لبعضهما البعض وتخوضان معارك ضد بعضهما البعض استمرت سنين طويلة. وقد كان هذا الطلب فرصة مناسبة ومهمة للرسول الأكرم (ص) والمسلمين الذين كانوا يعيشون ظروفاً صعبة، وكان الرسول الأكرم (ص) وأنصاره وموالوه يدركون جيداً أنهم إذا استغلوا هذه الفرصة بشكل جيد، وإذا استطاع مبعوث الرسول (ص) تعريف الإسلام إلى أهل المدينة بطريقة صحيحة وحكيمة وجعلهم يعتنقونه ويؤمنون بما جاء به القرآن الكريم، فإن نجاحاً عظيماً ومكسباً مهماً ينطلقون منها لنشر دعوتهم وجهادهم ضد المشركين الذين كانوا يحكمون مكة بالظلم والإستبداد والكبت والضغط، وسيكون بإمكان المسلمين التعاون مع أهل المدينة في نشر المعارف الإسلامية وزلزلة كيان الشرك والظلم في مكة. وكانت المرّة الأولى التي يطلب فيها أهل مدينة كبيرة يسودهم الخلاف من النبي الأكرم (ص) إرسال مبعوث لهم، وكان المرّة الأولى التي يقرر فيها رسول الله (ص) إرسال مبعوث خارج مكة. ومما لا شك فيه أن الذي يتم اختياره لهذه المهمة الخطيرة ينبغي أن يكون كفؤاً من جميع الجهات وأهلاً لهذه المهمة حتى يستطيع تسوية الخلافات المزمنة بين قبيلتي الأوس الخزرج ونشر جوّ من المحبة الأخوة بين أفرادها من جهة، ويعمل من جهة ثانية على نشر الإسلام والتبليغ له بشكل صحيح بحيث يترك أثره في القلوب ويشدّ إليه الألباب. وقد اختار النبي الأكرم (ص) الشاب مصعب بن عمير من بين كافة المسلمين شيوخاً وشباناً ومن بين جميع أصحابه وأنصاره، وأنصاره، مبعوثاً له إلى المدينة لأداء هذا الأمر المهم. "فَقالَ رَسُولُ الله (ص) لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكانَ فَتىً حدثاً.... وأمَرَه رَسُولُ الله بِالْخُرُجِ مَعَ أسعد، وقد كان تَعَلمَ مِنَ القُرْآنِ كَثيِراً". وقد دخل مصعب المدينة وهو في عنفوان شبابه وقلبه مفعم بالإيمان وبدأ مهامه بشوق وخلوص نيّة. وكان لبراعته في الخطابة وحرارة تلاوته القرآن وحسن أخلاقه في معاشرة الناس وتدبره العقلاني في حلّ المشاكل وإزالة الخلافات، الأثر البالغ في نفوس الناس الذين أنشدوا إليه وإلى ملكاته الحسنة من حيث لا يشعرون. ولم يمض وقت طويل حتى توجّه إليه الناس نساءً ورجالاً، شيوخاً وشباناً، رؤوساء عشائر وأفراد عاديين ليعلنوا اعتناقهم الإسلام ويتعلّموا القرآن مطهرين قلوبهم من الأحقاد والأضغان، ومتآلفين متآخين، وأقاموا صلاة الجماعة في صفوف متراصة. لقد نفذ مصعب بن عمير الشاب مهمته في المدينة على أفضل وجه ونال فخراً عظيماً. "إنَّه أوّلُ مَنْ جمَعَ الجمعَةَ بِالْمَديِنَةِ وأسْلَمَ على يَدِهِ أسَيْدُ بْن خُضَيْرٍ وسَعْدُ بْنُ معاذٍ وَكَفى بِذلِكَ فَخْراً وأثراً في الإسلامِ". www.balagh.com | |
|