ـ الانسان أكرم موجود على هذه الارض :
ينطلق الاسلام في تقييمه وتعامله مع الانسان ، من مبدأ أساسي ، وقاعدة رئيسة ، وهي الايمان بأن الانسان أرقى موجود ، وأكرم مخلوق ، وأغلى حقيقة على هذه الارض . . . وأن كل ما في هذه الارض من موجودات هو مسخّر لخدمته ، وموجود لصالحه؛ قال تعالى :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم ما فِي الاَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيء عَلِيمٌ) .(البقرة/29)
(وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ جَمِيعاً منْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) .(الجاثية/13)
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَملْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم منَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .(الاسراء/70)
. . . فالمال والثروة والارض والشّمس والقمر والنجوم والحيوانات والخيرات والطيّبات ، وكلّ شيء في هذه الحياة هو لخدمة هذا الانسان ولصالحه . . . وأن انسانيته المتمثّلة في ذاته الانسانية ، والتي تميزه عن بقيّة المخلوقات والكائنات . . . هي أرقى حقيقة على هذه الارض . . . نظراً لما تحمل من عقل وإرادة وعلم وحياة . . . الخ .
والانسان بعد أن أعطي هذه الامتيازات والمؤهّلات ، أصبح في نظر الاسلام مسؤولاً عن رعاية هذه الخصائص الانسانيّة المتعالية ، ومكلّفاً بانشاء عالم فكري وسلوكي على هذه الارض ، يوازي بخيره وعطائه امتداد عطاء الخير الذي يملأ هذا الوجود من حول الانسان ، ليكون كلمة مضيئة في كتاب الكون الكبير . . . ومعنى متناغماً مع روح هذا العالم الجميل . . . وبهذا فقط يكون الانسان هو الامين على ما استحفظ من أمانة ، والجدير بما اُعطي من تقدير وتكريم : (إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَرضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) .(الاحزاب/72)
وإذا ما وعى الانسان قيمته ومكانته على هذه الارض وعرف مسؤوليته الوجودية الكبرى . . . فعليه أن يسخر نشاطه وامكانياته ، من أجل تحقيق هذه الانسانية ، والسير في طريق تكاملها وفق منهج الحياة الذي خطّته عناية الالـه وحكمته بدقّة واتقان كي لا يخسر إنسانيّته ، ويفقد قيمته وكرامته فيتحوّل إلى موضوع مادي مهمل في حساب الجاهليّات وتقويمها . . . ، هذه الحسابات الماديّة الّتي حوّلت الانسان إلى أداة للانتاج ، ووسيلة للتنفيذ ، وتعاملت معه كجهاز آلي بعيد عن القيم والمعنويّات والاحاسيس الانسانيّة ، . . . ولكي لا يغفل الانسان هذه الحقيقة . . . ولكي لا يجهل قيمته وقدره . . . راح القرآن يبثّ فيه روح الانسانيّة ، ويزرع في أعماقه معاني الاصالة ، ويحدّد له مكانه الطبيعي بين عالم الاشياء والموضوعات ، ويعيد توازن العلاقة في نفسه بين الغاية والوسيلة . . . ليذكّره أن كلّ شيء في هذه الحياة هو وسيلة لخدمته ، وسبب لتوفير خيره وسعادته . . . لكي لا تخدعه المغريات الماديّة ، ولا تستعبده الطّواغيت الجاهلية .
فقال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَملْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .(الاسراء/70)
فعلى هذا الاساس بنى الاسلام نظرته للانسان وما حوله . . . من أشياء ووسائل نافعة وممتعة في عالم الطبيعة . . . وصاغ كل قوانينه وقيمه من أجل أن يجسد هذه الحقيقة ، ويفيضها على عالم الانسان الزّاخر بالحركة والحياة .