الفادني عضو مميز
| موضوع: كيف نستثمر مواهب الحياة؟ الجمعة يوليو 31, 2009 9:58 pm | |
| كيف نستثمر مواهب الحياة؟
كثير من الشّباب فتياناً وفتيات يسألون أنفسهم ماذا نملك من الثّروات حتّى نفكِّر في تنميتها والاستفادة منها في شؤون حياتنا المختلفة.. قد يرى البعض انّه فقير أو مُفْلِس لا يملك شيئاً لأّنه لا يفعل ما يريد مثل الكبار.. هذا التصوّر الخاطئ هو الّذي جعل عدداً من الفتيان يرون العالَم مُظلماً والحياة تعاسة وحرماناً.. تكتب فتاة في السادسة عشرة من العمر مذكراتها فتقول: "لا أستطيع التعبير عن شيء.. أصبحتُ قريبة لفقدان الذاكرة، كثيرة القلق والتفكير، عديمة الثَّقة بنفسي.. أيّ عمل أقدم عليه أخاف نتائجه وأتردّد في القيام به، دائمة الحزن.. عندما أنظر إلى وجهي في المرآة أجده بشعاً، فأكره نفسي وأتمنّى لو لم أخلَق". ويكتب أحد الفتيان فيقول: "كنتُ إذا نظرتُ في المرآة وأنا شاب أسأل نفسي حين أرى خيالي.. هل هذا الذي يشبهني تماماً يمكن أن أحبّه لو انّه خرج من المرآة بقدرة الله وعاش معي؟...". أحياناً يلقي المراهق مسؤوليّة ما يحصل له على أسرته وخاصّة على والديه، لأنّه لا يجد أحداً يلقي اللوم عليه أفضل منهما. هذه فتاة في الخامسة عشرة من العمر تدخل إلى عيادة أحد الأطباء المعروفين الذين له مؤلّفات عن الطّفولة والمراهقة.. تدخل هذه الفتات برفقه أمّها وتطلب من الطّبيب أن تتحدّث إليه وحده، وهكذا يكون.. بدأت الفتاة منذ اللحظة الأولى بانتقاد أبويها وإلقاء اللوم عليهما بأنهما لا يعطيانها الفرصة ويسخران منها.. تحدّث الطبيب الحاذقِ مع أمّ الفتاة ليسمع رأيها حول ابنتها، فاستمع إلى كلام مُعاكِس من الأم، فتحقّق من الموضوع ووجد من خلال تجربته وخبرته الطويلة أن هذه الفتاة تخشى من الفشل ومن عدم اعتراف الآخرين بها كبنت راشدة، ويصعب عليها أن تتّهم نفسها، فوجدت الحل في أن تهاجم أبويها بمجرّد أن يرفض ابوها أو أمّها لها طلباً. نحن نحتاج إلى رعاية الأبوين بشكل خاص وإلى إرشاد الكبار بشكل عام، لكننا لسنا أطفالاً لكي نعتمد بالكامل عليهم.. الأسرة هي قاعدة الإنطلاق، كما ينطلق الرحالة من مبدأ حركته ومرسى سفينته، أو كما ينطلق المتسلّق من مقرِّره ومخيّمه في سفح الجبل.. الأسرة هي الملجأ والملاذ أيضاً، نعود إليها في الأوقات التي نحتاج إليها، لا سيّما في المراحل الصعبة من الحياة لتمنحنا سكوناً وطمأنينة.. رغم هذه الحقيقة وهذه الأهمية للأسرة، فإننا نستعد في هذه المرحلة من العمر أي في سنّ المراهقة، لتحمل بعض مسؤوليات الحياة على الأقل، حتّى نتأهّل شيئاً فشيئاً لأن نكون مسؤولين بالكامل عن أنفسنا بل عن أسرة نكوِّنها في المستقبل، أو عن دائرة نعمل فيها، أو عن المجتمع الذي نعيش فيه.. ويحق لنا أن نسأل منذ البداية، وقبل أن نضع خطواتنا في الطريق إلى عالم الرشد، ماذا منحتنا الحياة من ثروات وطاقات وكفاءات حتّى نستثمرها في هذا الطريق؟ ما هي القدرات والاستعدادات التي وهبها الله لنا لنجعلها رأسمالنا في هذه الحياة ونعمل على تنميتها واستثمارها في مراحل العمر كلها؟ إذن يجب ان نحصي ما لدينا من طاقات وثروات. أوّلاً: العقل، هذه الثروة الهائلة وأكبر الكنوز التي نملكها نحن البشر ونتميّز به عن سائر المخلوقات في الأرض.. هذا الوعاء الذي يستوعب الفكر والعلم والتجربة والمعرفة.. هذا الدليل المُرشِد الذي يدلنا على الطريق ويرشدنا إلى الخير والصّلاح، والذي يميز لنا الحق من الباطل والخير من الشّر، وهو الذي يُراقب كلّ خطوة منّا حتى لا تخرج عن الطريق الصحيح..
الأحاسيس تنمو هي الأخرى عن المراهق ليصبح مُرهَف الحس، شاعري المزاج في تعامله مع الأشياء من حوله، كصور الطبيعة وأحداث الحياة، ويمييل إلى قراءة الشعر والقصة، ويرغب في ممارسة الرسم والإنشاد، ويُقبِل في هذه المرحلة على الفنّ إحساساً وتذوقاً للجمال، أو محاولة في التعبير عنه من خلال لوحة فنيّة، أو أبيات من الشعر، أو غير ذلك من التعابير.. العاطفة الإحساس كلاهما ثروة مهمّة إذا عرف الإنسان كيف يستثمرهما في حياته. رابعاً: الخيال.. وهو ليس كما يتصوّره البعض بأنه يُبعِد المراهق عن الواقع، أو يجعله يسبح في عالم آخر، وبالتالي يُجمَّد طاقاته وإمكانياته؛ فإن الخيال شيء جميل ونافع ويستحق الاهتمام، وله دور مهم في حياة الانسان.. قد يفر الإنسان بخياله من الواقع المر، ولكن في الغالِب يلجأ الانسان إلى الخيال وأحلام اليقظة وينسج الآمال في تصوّراته لأنه يريد أن يكون مثالياً، وأن يكون ناضجاً وبلا عيوب، وهو يشبه إحساس المُكتشف أو الرحالة الذي يتصور أرض أحلامه في خياله قبل أن يتحرك لاكتشافها في الواقع.. وهذا الخيال نافع جداً لهذا المكتشف أو الرحالة لأنّ له صلة بعالم الواقع.. الخيال ثروة حقيقية لنا إذا استطعنا أن نربط بينه وبين الحياة بجسور عديدة، فلا نسمح للخيال أن يتغلّب على الواقع فنبقى نسبح في الآمال والأمنيات، ولا نجعل الواقع كذلك يتغلب على الخيال فتكون طموحاتنا محدودة وضيقة.. لنترك للخيال الآمال والغايات ونجعل الواقع يسير بنا نحو تلك الآمال والغايات. خامساً: الصحة أو العافية.. ثروة لا تُقدّر بثمن.. جاء في الحديث الشريف أنّ خمساً من الأمور يجب اغتنامها قبل خمس: الشاب قبل الهرم والفراغ قبل الانشغال والقوة قبل الضعف والصحة قبل المرض.. يكفي أن نفكر قليلاً في أهمية هذه الثروة.. ماذا نفعل لو فقدناها فجأة.. كثير من المرضى والمعوقين يتمنون أن تكون لهم صحة كاملة ليعودوا إلى نشاطهم الطبيعي في هذه الحياة.. العافية أو الصحة ثروة يجب أن نحافظ عليها ونصونها بالغذاء السليم وبالنظافة، وما يمكن أن نمارسه من الرياضة.. وعلينا أن نهتم أيضاً بالجانب الآخر من الصحة أي نظافة نفوسنا من الأخلاق السيئة والأحقاد والكراهية وترويضها على الصَّفات الحسنة، كما نراعي نظافتنا الظاهرية وكما بالرياضات البدنية. مع وجود هذه الثروات وغيرها، هل أستطيع أنا الشاب أن أعتبر نفسي فقيراً أو تعيساً أو محروماً، خاصة أن الثروات ليست محدودة بهذه المواهب التي أشترك بها مع الآخرين، فقد تكون لكل فرد منا موهبته الخاصة به.. وما عليه إلا الاستفادة منها وتنميتها وتقويتها أو استثمارها كما يستثمر التاجر رأسماله ليكسب أرباحاً جديدة ويضيف إلى أمواله ثروات أخرى ورأسمال جديد.. فضلاً عن ذلك كله، هناك كفاءات أخرى يمكننا أن ندخلها في صميم حياتنا, فتوجد تحولاً كبيراً وتجعلنا قادرين على إنجاز أعمال مهمة والوصول الى غايات وأهداف كبيرة.. إن هذه الكفاءات نقلة نوعية في حياتنا ولاسيما في سن المراهقة لتحقيق أشياء لانتصور حدوثها في الحالات العادية.. ومنها: الإبداع: كفاءة وطاقة واستعداد يكسبه الانسان من خلال تركيز منظم لقدراته وإراداته وخياله وتجاربه ومعلوماته.. الإبداع يعد سراً من أسرار التفوق في ميادين الحياة, ويمكن صاحبه من كشف سبل جديدة في تغيير العالم الذي يحيط بنا والخلاص من الملل والتكرار.. إذا أردنا تحقيق مثل هذه الكفاءة في حياتنا, فلابد أن نضع عدة لافتات أمامنا, ونتبع معها طريق الإبداع ,هذه اللافتات هي: - تقوية الخيال والإحساس. - توجيه المشاعر نحو الأهداف الجميلة. - تنمية الفكر والثقافة والمعلومات. - تبسيط الحياة وعدم الانشغال كثيراً بهمومها. - اكتشاف النظام في الأشياء التي لانجد فيها نظاماً في النظرة الأولى. - أن نقدم الجديد بعد الجديد, وأن نفعل ذلك كل يوم. - أن نحب أنفسنا والآخرين وأن يكون حبنا الأقوى للخالق المبدع. - أن نصاحب أصدقاء مبدعين. - أن نطالع كتباً أو قصصاً أو أشعاراً تدعونا الى التفكير والإبداع لا الى التقليد. الايمان :طاقة عظيمة نكتسبها من خلال الاعتقاد الصحيح بخالق الكون والمدبر له, ومشاهدة جماله وكماله في الخلائق كلها صغيرها وكبيرها, وتلمس رحمته التي وسعت كل شيء.. ومن خلال عبادته التي تزود النفس بطاقة روحية كبيرة تجعل الانسان أقوى وأكثر توازناً عند الشدائد.. الايمان ثروة ينالها الشاب أسهل من غيره لأن نفسه الطرية تتفتح عليها آفاق الحياة سواء كانت هذه الآفاق مادية أو روحية ومعنوية. يشير الحديث الشريف الى أن المرء يطير بهمته كما يطير الطير بجناجيه..الانسان بحاجة ماسة الى همة عالية وهو في طريقه الى الرشد والنضوج..الطريق الذي يرسم له الغايات في هذه الحياة.. أما حصولنا على هذه الثروة الكبيرة فهو ممكن إذا اتبعنا بعض القواعد في حياتنا: - نتذكر دائماً أننا بشر ونستطيع أن نرقى الى الكمال الذي نريده. - نشد عربتنا الى نجم كما تقول الحكمة, أي نكون لأنفسنا قيماً وأهدافاً عليا نسعى للوصول والارتقاء اليها. - لاننشغل بالصغائر والامور التافهة وغير المهمة. - لنكن أخلاقيين في التعامل مع الآخرين ولاتحددنا مصالح شخصية. - لنكن مبدعين في كل شيء حتى في تحديد الأهداف واختيار الأساليب والطرق التي توصل اليها. - لنهتم بجمال الباطن كما نهتم بجمال الظاهر. - لنختر أصدقاء من أصحاب الهمم العالية. ماذكرناه هو أهم المواهب التي نملكها نحن الشباب أو نستطيع أن نكسبها من خلال مالدينا من طاقات واستعدادات ذاتية ومشتركة..وينبغي أن نؤمن بأن الحياة وخالقها يستطيعان منحنا المزيد من المواهب إذا واصلنا الكشف والبحث, فكنوز الحياة ليس لها نفاد (إن تعدوا نعمة الله لاتحصوها). WWW.BALAGH.COM | |
|