صناعة وبيع الخمور بالأحياء السكنية من الظواهر التي أصبحت تنتشر في المجتمع السوداني بصورة سريعة تدعو للقلق والخوف من هذا القادم الذي ينهش في كبد الشباب الذين هم معاول البناء وسواعد التغيير, ويتسرب ببط من خلال وجوده المحموم ليشل جسد صبية الحاضر وشباب المستقبل الآتي.. (صحيفة الأخبار) طرقت هذا الباب بقوة عسى أن يستمع الشباب الذي تقوده خطاه نحو الهلاك بشقيه الصحي والمادي بجانب مخالفة الشرع الحنيف.
المواطنون يصرخون.. هل من مغيث؟!
ارتفعت أصوات المواطنين بالصراخ جراء هذه الممارسات السيئة التي يمارسها أصحاب النفوس الضعيفة وسط الأحياء والمجمعات السكنية دون أن يجدوا المعالجة الصحيحة والعقاب المناسب, ويقول المواطن محمد حسن بأن تجارة الخمور داخل الأحياء أصبحت كالموضة في الملابس وبمختلف الأنواع وبمسمياتها المختلفة التي يعلمها المتعاطون؛ وأضاف (مرتادو هذه الأماكن في غالبهم من الشباب وغيرهم ومنهم من يأتي راجلا ومنهم من يأتي يقود سيارته الخاصة أو سيارة الأجرة, ولا أحد من سكان الحي يستطيع أن يتفوه بكلمة وكأن الأمر لا يعنيهم), وقال (الحكومة تقوم بدور الرقابة والمتابعة من خلال شرطة أمن المجتمع التي تقوم بمداهمة محال بيع الخمور المعروفة وبعض الأوكار الخفية بعد أن ترد إليها معلومات تفيد بذلك)، وأكمل (ما يدعو للخوف والقلق أن الخمور تباع وسط الحارات السكنية وبين الشباب والصبية, وهم الشريحة الأكثر تأثرا بهذه السلوكيات التي لا يقرها الدين ولا دواعي الصحة العامة, فهي تمثل دعوة للانحراف والانفلات الأخلاقي في المجتمع السوداني المحافظ على عاداته وتقاليده والتعاليم الإسلامية السمحاء). أما المواطن عمار التجاني فقد أشار إلى أن ظاهرة بيع الخمور وصناعتها بالأحياء السكنية أصبحت تنتشر في المجتمع السوداني, ريفه وحضره, بصورة مقلقة دون أن تجد الرقابة الحقيقية والمتابعة اللصيقة والحسم العاجل, حيث تباع الخمور وسط الأحياء بصورة يعلمها الجميع دون أن يحركوا ساكنا, حيث تمثل أحياء بعينها سوقا رائجة لتجارة الخمور دون سواها في أم درمان وأخرى بشرق النيل والخرطوم, وأضاف قائلا (إن أغلب الأحياء بها مواقع لبيع الخمور؛ يعلم الجميع أن هنالك خمارا يبيع الخمر بالحي), ويقول بأن الإبلاغ عن هذه
الأماكن يتم بأن تتفق مجموعة من الشباب على التبليغ عن هذه الظاهرة للمحافظة على سلامة الشباب من الانحلال الأخلاقي والإدمان المفرط, وزاد (عندما يقوم المواطنون بإخطار الشرطة يقوم أصحاب الخمارة بإخفاء كل أثر للجريمة, كأنما هناك من يخبرهم بقدوم دورية الشرطة), وأضاف (هذا أمر مخيف, أن تكون هنالك عيون وجواسيس يعملون لصالح أصحاب أماكن بيع الخمر ويحذرون أصحابها, وربما بات لهذه الخمارات شبكة منظمة في الغالب).
ويقول المواطن محمد
عبد السلام بأنه غالبا ما يوجد تنسيق بين أصحاب النفوس الضعيفة وبائعات الخمور في الأحياء السكنية, سواء في المدينة أو الريف, مشيرا إلى أن مروجي الخمور دائما من النساء, حيث تقوم صانعات الخمور باستخدام بناتهن في محاولة لتضليل المارة بالطريق وبعض رجال الشرطة المحتمل وجودهم متخفين في أزياء مدنية؛ فمثلا يأتي الزبون إلى مكان الخمر بسيارته فيحضرن البنات ويتحدثن إليه وكأنه قريب رحم, وفي هذه الأثناء تكون الأم قد قامت بإعداد الطلبية, بعدها يقوم طالب الخمر بالتحرك من أمام المنزل ثم تلحق به البنات حاملات إليه الخمر بعيدا عن المنزل. ويقول عبد السلام (هذه الطريقة من الأساليب التي يستخدمها مروجو الخمور في توصيل طلبياتهم للزبائن,
والمروجون يبتكرون طرقا مختلفة للهروب من رقابة الشرطة والسكان معا), ويمضي عبد السلام قائلا (نحن الآن نقف على مفترق طرق بين الاشتباه في من يبلغون أصحاب أماكن بيع الخمور بطريقة تكشف لهم عن مواعيد الحملات, وبين وجود عيون تقوم بحراسة المنزل من الخارج والإخطار عن أي اشتباه في وجود دورية للشرطة محتملة؛ تقوم بعدها المروجة بإخفاء كل آثار الجريمة في وقت وجيز).
شكوى الأمهات
أعربت الكثير من الأمهات في مقابلة مع (الأخبار) عن أن الوضع أشبه بالقنبلة الموقوتة, فحالة التدهور التي تعيشها الأحياء السكنية جراء بيع الخمور جعلت الكثير من النساء يخشين على أبنائهن خاصة من هم في سن المراهقة متأثرين بالشارع العام الذي يختلط فيه الصالح والطالح, حيث أشارت أم أيمن إلى الدور الذي يجب أن تقوم به الأسرة في المحافظة على الأبناء من خلال التربية السليمة والأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة, مؤكدة على الدور الكبير الذي يقوم به أولياء الأمور في المحافظة على الأبناء وحمايتهم من هذا القادم الذي وصفوه بالخطير, فيما أضافت الحاجة سميرة أحمد (الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة هو تحسين أوضاع الشباب الذين يعيشون أوضاعا حرجة, نتيجة عدم توفر فرص العمل كحل لطوابير العطالة التي تؤدي بدورها إلى تسرب الإحباط لبعض الشباب فيتجه إلى إدمان الخمور أو المخدرات للخروج من هذا الوضع أو متأثرا بشباب منحرفين في الشارع العام), وثمنت الحاجة سميرة في الوقت ذاته الدور والجهد الذي تبذله إدارة الشرطة في مكافحة تجارة الخمور.
طلاب العلوم الاجتماعية بالجامعات يطالبون بقيام دراسات
طالب عدد من طلاب كليات العلوم الاجتماعية بضرورة القيام بدراسات لمعالجة ظاهرة الخمور, حيث أشار الطالب بكلية العلوم الاجتماعية, المستوى الرابع, ياسين الزبير إلى أن السياسة التي تتبعها الحكومة في معالجة هذه الظاهرة غير مجدية لأنها تعاقب صانعات الخمور من خلال الزج بهن في السجون, مناديا بضرورة معالجة أوضاعهن التي تدفعهن إلى صناعة الخمور باعتبارها مصدرا من مصادر العيش لأغلب الأسر التي تعاني ضيق ذات اليد وعثر الحال؛ وأضافت الطالبة بكلية الاجتماع, المستوى الثاني, مزدلفة عثمان (معالجة هذه الظاهرة تتطلب إيجاد حلول بديلة تتمثل في قيام دراسات وبحوث لدراسة أحوال صانعات الخمور), مشيرة في الوقت ذاته إلى أن لهذه العادة جذورا من عادات وتقاليد عرفتها بعض القبائل في فترة من فترات حياتها, إلا أن تغير الزمن ومرور الوقت مرتبطا بتطور المجتمع وثقافته أدى إلى اندثار هذه العادة, مؤكدة على دور الشرطة الرقابي الذي هو ضرورة لضمان استقرار المجتمع الذي لا يحتمل الحرية المفرطة التي تمنح الشخص الحرية الكاملة في أن يفعل ما يشاء.
باحثون يطالبون بإيجاد حلول بديلة
باحثون اجتماعيون يطالبون بوضع حلول وإيجاد مخارج لهذه الأزمة بطريقة تتناسب مع العادات والتقاليد والتكوينات الإثنية والثقافية للمجتمع السوداني, حيث أشارت الباحثة الاجتماعية سامية النقر إلى أن صناعة الخمور موجودة منذ زمن بعيد, إذ توجد مناطق بعينها مرتبطة بالتنوع الثقافي, وصناعة الخمر أصبحت جريمة بحكم القانون وأصبح ممارسوها من المطاردين, مطالبة بأهمية إجراء دراسات وسط الفئات التي تعمل في هذا المجال وبحث أسباب الفقر داخل المناطق التي لا يصلها رجل القانون, منادية في الوقت ذاته بوجود دراسة من اختصاصيين لوضع الحلول والدراسات للخروج برؤية موحدة؛ وقالت (الخمور تمثل بالنسبة للمسلمين مسألة عقيدة ودين وتربية ثقافية دينية أكثر من أنها قضية قمع) مضيفة بأن للأسرة دورا في التربية كما للدولة الدور الأكبر في الحفاظ على المجتمع سليما ومعافى, مؤكدة أن الضغوطات التي يتعرض لها الشباب تسهم في تعرضهم لخطر الإدمان, ونادت بضرورة وضع الحلول من خلال المناقشات للخروج من هذه الأزمة.. وعن القطاعات غير المسلمة تقول الباحثة (يجب أن يكون تناولها باعتدال بحيث لا تؤثر على السلوك الذي يؤدي إلى العنف لأنها جزء من ثقافاتهم وعاداتهم, فتعاليم دينهم تختلف عن تعاليم الدين الإسلامي), مؤكدة أن (الكشات) لا تحل المشكلة في شكلها الجوهري, بل تعالجها في جزء بعينه, وأضافت (لا حل بدون دراسات وافية تعنى بدراسة الأسباب التي تؤدي للإقبال على الجريمة).