دولة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
بعد وصول الرسول (ص) إلى يثرب صار اسمها المدينة المنوّرة ، وصارت قاعدة
الدعوة إلى الاسلام ، ومنطلق الرسالة إلى الأفاق ، وفي المدينة دخلت
الرسالة الاسلامية مرحلة التطبيق ، وبدأ المجتمع بكلّ مؤسّساته ومستلزماته
.
كانت أوّل لبنة وضعها الرسول (ص) لارساء قواعد البناء الجديد ، هي
إقامة المسجد النبوي الشريف الّذي اتّخذه (ص) داراً للعبادة، ومكاناً
للاجتماع والتشاور، وإدارة شؤون الاُمّة ، والفصل في الخصومات ، ووضع
الخطط العسكرية ، وتعيين القيادات ، والتعليم ، وسوى ذلك ممّا تقتضيه
الدولة والمجتمع من شؤون .
وقد واجه الرسول (ص) في المدينة مجتمعاً
تتوزّعه القبليّة والمصالح المادّية والافكار المتناقضة، وكانت أبرز
الفئات الّتي عاصرها فيها هي :
1 ـ المسلمون : وهم قسمان : أنصار ومهاجرون .
الأنصار لفظ أطلقه رسول الله (ص) على الأوس والخزرج من أهل المدينة ، بسبب نصرتهم له ، واحتضانهم للرسالة الاسلامية ودعاتها .
أمّا المهاجرون فهم المؤمنون الاوائل، الّذين غادروا مكّة هرباً بدينهم،
فحلّوا في المدينة بعد أن فتح أهلها قلوبهم ، لتلقِّي رسالة الله وهديه .
وقد وقف الاسلام موقفاً بنّاءً من أجل تكوين المجتمع الاسلامي ، وهو ما
تمثّل في المؤاخاة الّتي دعا اليها الاسلام ، بين المهاجرين والانصار، بعد
الهجرة إلى المدينة .
أمر الرسول (ص) كلّ أنصاري أن يتّخذ له أخاً من
المهاجرين ، بما يترتّب على الاُخوّة الحقيقية من آثار في الحياة العملية
، في المعاملة والمال وسائر الشؤون .
اتّخذ كلُّ أنصاري أخاً من
المهاجرين ، أمّا الرسول الكريم (ص) فقد اتّخذ من عليّ بن أبي طالب (ع)
أخاً له ، مخاطباً إياه بقوله : «أنتَ أخي في الدُّنيا والآخرة» (16) .
لقد تحقّقت المؤاخاة بشكل لم يَرَ التاريخ لها مثيلاً، حيث بلغ من نجاحها
أنّ الأنصار قد شاعت بينهم المنافسة للحصول على المهاجر ، وبلغ بهم الأمر
أن يعملوا بالقرعة أحياناً ، وتنازل بعض الأنصار عن نصف أموالهم لإخوانهم
المهاجرين ، وهكذا أقام الرسول (ص) صرح الجماعة المؤمنة على اُسس رصينة
ومتينة من المحبّة والاخاء .
2 ـ اليهود : وكانوا يشكِّلون القوّة
الثانية بعد المسلمين في بداية الهجرة ، وكان من أبرز قبائلهم: بنو قينقاع
، وبنو قريظة ، وبنو النضير .
كان اليهـود يسـيطرون على الجانب المالي في حياة المدينة ، فهم يشتغلون بالصياغة وبيع الذهب ، ويملكون النخيل والاراضي .
3 ـ المنافقون : وهم فئة من أهل المدينة، أظهروا الاسلام خوفاً وطمعاً، وأبطنوا الكفر في أعماق نفوسهم .
كان المنافقون يشكّلون قوّة حليفة لليهود والمشركين ، وعنصراً من عناصر
التخريب والهدم في المجتمع الاسلامي ، يثيرون الفتن والمشاكل كلّما سنحت
الفرصة أو يحرّكون الاُمور بشكل وآخر لاضعاف المسلمين.