موقف قريش بعد الهجرة وسياسة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاهها
سبَّبَ إفلات الرسول (ص) من قبضة قريش ، ووصوله المدينة سالماً، زيادة غيظ
قريش ، واستمرار مؤامراتها وتخطيـطها للفتك به ، ولم تكن تخفي ذلك ، بل
كان يظهر في تصريحات زعمائها .
كانت قريش تلاحق المسلمين بالتنكيل
والأذى ، سواء المهاجرين منهم ، أو مَنْ تَعلَمَ إسـلامه ممّن بقي في مكّة
، وقامت بمصادرة أموال المسلمين ، والاستيلاء على دورهم وممتلكاتهم .
من جهة اُخرى كانت تتابع الأجواء المحيطة بالرسول (ص) ، وتحرِّض هذه القبيلة أو تلك على الفتك برسول الله (ص) وأتباعه .
كلّ هذه المواقف كانت تؤكّد عزم قريش على مواصلة مؤامراتها ، وأنّها لن
تهدأ إلا بالقضاء على رسول الله (ص) ودعوته الفتيّة ، ممّا دعا رسول الله
(ص) إلى القـيام بعدّة خطوات ، بغية الحفاظ على الاسلام والدفاع عنه .
كانت اُولى هذه الخطوات تحصين الأجواء المحيطة بالمدينة ، فبعث السرايا
وقاد بعضها باتجاه القبائل المشركة المجاورة ، وأدّى ذلك إلى عقد اتفاقيات
صلح وموادعة ومهادنات معها ، دون خوض أي قتال .
في نفس الوقت كان رسول الله (ص) يُهدِّئ الأوضاع داخل المدينة ، ويحبط مؤامرات كفّار قريش لتحريض سكّانها ضدّه .
من جهة أخرى فإنّ قريشاً قامت بمصادرة أموال المسلمين بمكّة؛ وفي مقابل
تعدِّيها وظلمها ومؤامراتها المستمرة فإن رسول الله (ص) لجأ إلى الضغط
عليهم اقتصادياً وعسكرياً ، ليكفّوا عن مواجهة الرسالة الاسلامية ، فكانت
غزوات المسلمين ضدّ قريش نوعاً من ردّ الفعل وصدّ العدوان وردعه .
بدأت غزوات المسلمين ضدّ القوافل التجارية لطواغيت قريش ، ولم تكن تلك
الغزوات تصرّ على قتالهم بقدر الضغط عليهم ، وتحجيم تحرّكهم المضاد ،
وإشعارهم بقوّة المسلمين ، وإضعاف معنويات أعداء الاسلام ، من القبائل
المعادية والمحيطة ، حتّى لا تفكِّر في الغدر بالمسلمين ، حيث كانت سياسة
الاسلام تجنّب القتال وإراقة الدماء ، كما كان ذلك واضحاً في وصايا رسول
الله (ص) لقادة المسلمين واُمراء الجيش ، وبالفعل فانّهم كانوا يقبلون
عروض الصلح ، ولم يتعقّبوا القوافل الّتي تتجاوزهم (17).
على العموم
فإنّ الطابع الدفاعي هو الغالب في معظم غزوات الرسول (ص) كما هو واضح لمن
يدرس ظروفها بتفصيل ، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى :
(أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقاتَلون بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِم
لَقَدِير * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ
أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله ). (الحجّ / 39 ـ 40)