ما بين مدينتي شندي والدامر بولاية نهر النيل وعلى طريق التحدي تطل مدينة كبوشية بمعالمها وحضاراتها المتجذرة في أصول التاريخ وعراقته، تلك المدينة الحالمة الوادعة التي أنجبت فحول الشعراء والأدباء ومنها انطقت حقيبة الفن وفن الحماسة والتي شكلت وجدان الشعب السوداني بتلك المضامين الخالدة.. وفوق هذا كله تعد كبوشية قبلة للسياح الأجانب لكونها تضم اكبر واعرق حضارة عرفتها البشرية وهي حضارة مروي القديمة وآثارها الخالدة بمنطقة البجراوية، كما ان أرض كبوشية وتلالها تزخر بالعديد من الموارد الطبيعية لكنها تحتاج إلى من يستخرجها من باطن الأرض وتسخيرها لمنفعة الناس والبلاد. وبالرغم من النهضة العمرانية والتطور الذي تشهده العديد من مدن وقرى السودان الا ان معالم مدينة كبوشية، لازالت تحتفظ بتلك الصورة التي تفتحت عليها منذ عشرات السنين مع بعض التطورات في مجال الاتصالات، وفوق هذا كله تعاني مدينة كبوشية من تردي في الخدمات فمعالم السوق لم تصلها يد التعمير والتطور ويفتقد لأبسط مقومات الأسواق الشعبية.. أما التعليم فبعد ان كانت كبوشية منارة للعلم يقصدها القاصي والداني أصبحت بيئة التعليم طاردة، بعد انهيار البنيات التحتية لعدد من المؤسسات هذا بالإضافة للمشاكل العديدة التي تواجه إنسان كبوشية والعديد من القضايا التي تحتاج من يتصدى لها....
(الوطن) كعادتها -وهي تتلمس قضايا المواطن في كل بقاع الوطن- وقفت على حجم المعاناة لإنسان كبوشية.
* سوق الأربعاء
من أشهر الأسواق التي عرفها الناس بمدينة كبوشية هما سوق الأحد والأربعاء وفيها يجتمع الناس من المحمية وحتى التراجمة وأم شديدة شرقاً، يقضون حوائجهم بيعاً وشراءً في فترة تمتد من الصباح وحتى العصر، والمؤسف حقاً أن يظل سوق كبوشية على حاله الذي عرف به قبل أكثر من 60 عاماً ولازالت الرواكيب تشكل فيه الجزء الأكبر. هذه الرواكيب تصنع من أبسط الأشياء وهي جوالات الخيش والشوك، ولا يجتهد أصحابها في تطويرها أكثر من ذلك فالظل هو الأهم. أما التنظيم داخل السوق فينعدم تماماً ولا فرق بين بائع الفاكهة والإسكافي في المحل والأخطر من ذلك انتشار مرابط الحمير والدواب الأخرى داخل السوق، وبالقرب من أماكن الأطعمة والمشروبات التي تعرض مكشوفة مما يجعلها عرضة للتلوث من الغبار الناتج عن روث هذه الحيوانات. أما المحلات التجارية الكبرى فهي الأخرى محتفظة بكينونتها التي وجدت بها ولم يجتهد أصحابها في طلاء أبوابها، حتى أن بعضها لازال عليه آثار إعلان الأسبرين وحجر أبو كديس وموس أبو تمساح وغيرها من الأشياء التي عفا عنها الزمن ولازالت إعلاناتها معلقة.. وحول النظافة بالسوق يقول مصطفى عثمان سالمين: الأوضاع بسوق كبوشية متردية لأبعد الحدود ويدار السوق بطريقة عشوائية بالرغم من النشاط والحركة الدؤوبة للسوق، حيث يغطي هذا السوق العديد من المناطق الكبيرة حول كبوشية إلا أن السوق بدل أن يتطور ويواكب إلا أنه يتراجع للوراء.
ويذهب عبد الرازق محمد علي عمارة إلى أنهم قاموا بدفع 60 جنيها للوحدة الإدارية مقابل بناء وتشييد محلات بالزنك والطوب بدلاً من الرواكيب، إلاَّ أن الوحدة الإدارية لم تلتزم بذلك حتى الآن مع الالتزام التام بدفع رسوم الكارت الصحي والتي تبلغ (26) جنيهاً شهرياً. ونفى عمارة استلامهم لأي كشف صحي ولكن كما يقول عمارة السوق مليء بالقاذورات وخدمات السوق معدومة تماماً، وأصبحت القوى الشرائية في تراجع كبير مما جعل أغلب سكان المنطقة يتجهون صوب سوق شندي بدلاً عن كبوشية.
لم تقف السلبيات عند الخدمات والأسواق فقط بل امتد الانهيار حتى للمرافق التعليمية، وفي السابق كانت كبوشية من المنارات التعليمية المتفردة على نطاق المديرية الشمالية في ذلك الوقت، وكانت قبلة للعديد من الطلاب وتخرج من مدارسها عدد غير قليل من القادة في المجالات المختلفة، والآن أصبح التعليم في كبوشية على شفا الانيهار والسقوط فالبنيات التحتية لعدد من المدارس منهارة تماماً، في حين أن البعض يجلس طلابها القرفصاء لعدم اكتمال عمليات التجليس، فيما تشهد بعض المدارس انهياراً تاماً للأسقف، وأجمع أولياء الأمور على الأوضاع السيئة التي تعاني المدرسة الثانوية حيث لا توجد داخلية مهيأة للسكن وتفتقر إلى أبسط مقومات السلامة مما يجعل الطالبات عرضة للسرقة.
وإلى الشرق من مدرسة البنات الثانوية تستقر مدرسة كبوشية المتوسطة هذه المدرسة التي خرجت العديد من الأجيال منذ تأسيسها في العام 1960، حيث شيدت بصورة رائعة ومتينة وبها نهران ومجهزة بمعامل وميادين لكرة القدم والسلة، هذا بالإضافة لأربعة أنهر من الداخليات بها عنابر ذات سعة كبيرة وقد أسهمت الداخلية إسهاماً كبيراً في استقرار التعليم بالمنطقة كلها، وخلفت علاقات كبيرة بين عدد من الطلاب ولكن ودون سابق انذار أغلقت المدرسة تماماً دون أن يستفاد منها، وبالتالي ألغيت الداخلية والآن لا بواكي على مدرسة كبوشية المتوسطة فتطايرت الأسقف وهي عبارة عن زنك، وتعرضت للسرقات وبدأت الفصول تتصدع وأصبحت ملجأ للقط والخفافيش وغيرها.
* حلم لم يكتمل
وفي محاولة لإعادة الهيبة والجمال لكبوشية المتوسطة تم افتتاحها كمدرسة صناعية وبدأت نشاطها في العام 94 - 95 ولكن للأسف الشديد تم إغلاقها لأسباب عدم توفر الكهرباء التي تعد ضرورية للمدارس الصناعية، وتم إرجاعها لمدينة عطبرة مما حدا بالشهيد حامد الخواض أن يتبرع في ذلك الوقت لإرجاعها مرة أخرى وتأهيلها بالتضامن مع الخيريين بالمنطقة، ولكن للأسف الشديد إدارة المدرسة لم تقم بواجبها.. ومع زوال الأسباب التي قادت لوقف نشاط المدرسة الصناعية والمتمثلة في الكهرباء، يناشد أبناء كبوشية كافة المسؤولين بالولاية والمحلية لبذل مزيد من الجهد لحل كافة قضايا التعليم بالمنطقة، ومن بينها إعادة المدرسة الصناعية ومناشدة خاصة للمهندس جعفر بانقا معتمد شندي، بالتدخل لاعادة وتأهيل مدرسة كبوشية الصناعية لحاجة المنطقة الملحة لها.
* السلخانة تحتاج لتأهيل
من المعروف أن السلخانات يجب أن تكون بعيدة عن مأوى السكان ولكن السلخانة بكبوشية قريبة جداً منهم وهي مرتع للكلاب الضالة، حيث انها غير مسورة وهي بذلك عرضة لدخول الكلاب الضالة كذلك لا توجد بها بئر للمياه، ويشكو المواطنون الذين يسكنون بالقرب من السلخانة من الروائح المنبعثة من بقايا الذبيح وإصابتهم بعدد من الأمراض.
* ترفيع مستشفى كبوشية
يعتبر مستشفى كبوشية المستشفى الوحيد الذي يقع بين مدينتي الدامر وشندي وتم تأهيله في العام 2006م، ولاهمية المستشفى طالب القائمون على أمر المنطقة ان يرفع لدرجة ثانية ولا يوجد به نقص خاصة في الكوادر الطبية، كما أن المستشفى مجهز لاستقبال العمليات حتى القيصرية منها وبالرغم من كثرة العنابر المجهزة بالأسرة إلا أن العديد من المرضى من المناطق المجاورة لكبوشية، يلجؤون للعلاج بشندي لأنهم حسب ما ذكروا لا يجدون الاهتمام والرعاية الكافية وحتى الفحوصات أحياناً غير متوفرة، وأكدوا أن المستشفى يفتقد لكثير من الأشياء الأساسية خاصة بعض الاختصاصيين والخدمات العلاجية التي تقدم للمرضى بسيطة جداً إن وجدت.. وقال عدد من المرضى إن العلاج يصرف في كثير من الأحيان دون إجراء الفحوصات اللازمة.. وللاستفادة أكثر من خدمات المستشفى ولكي يكون جاذباً لكافة مناطق كبوشية المختلفة من جبل أم علي وحتى القبلاب، يقترح عدد من رؤساء اللجان الشعبية بهذه المناطق أن يكون المستوى على درجة عالية من الاستعدادات للحالات المستعصية، ودعمه بمزيد من الكوادر الطبية لعدد من التخصصات. ويرى الكثيرون انه لابد من تطبيق مجانية العلاج خاصة للعمليات في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها إنسان المنطقة.. واذا ما توفرت كل هذه الأشياء قطعاً سنترك التوجه للعلاج بمدينة شندي.. ويعتقد الكثيرون أن توطين العلاج بكبوشية يسهم وبلا شك في نهضتها.
* تأهيل المدارس
ولإلقاء مزيد من الضوء على الأوضاع المتردية في مدينة كبوشية والأسباب التي أقعدتها كثيراً عن التنمية وتعطل قطارها في محطة الانتظار، وتبعثرت مؤسساتها حتى صارت أو كادت ان تلحق بآثار المنطقة، التقينا -وكعادته دائماً يتحدث بلغة الصراحة والوضوح والشفافية التي عرف بها- الأستاذ خواض حسين النعيم، رئيس محلية شندي وأحد قادة الرأي بالمنطقة حيث قال إن التعليم في كبوشية يشهد تراجعاً مخيفاً خاصة بعد انهيار عدد من المؤسسات التعليمية، فمدرسة كبوشية المتوسطة أصبحت أطلالاً بعد الخراب والدمار الذي تعرضت له وقد تم تحويلها إلي مدرسة صناعية، ولكن أغلقت لعدم وجود الكهرباء والآن نحن بصدد عودة المدرسة الصناعية، وبحمد الله فقد عمت بشائر الكهرباء كافة أرجاء المحلية وتوالت المطالبة بعودتها ونرفع الصوت عالياً مع مواطني المنطقة للأخ جعفر بانقا معتمد شندي، ولا نشك في وقفة الرجل معنا في المشروع وهناك عدد من المدارس تحتاج لعمليات صيانة منها جزئي وبعضها صيانة شاملة، وهذا الوضع يتطلب مضاعفة الجهد من الخيرين من أبناء المنطقة والوحدة الإدارية بكبوشية ورفع تقرير حول هذا الأمر حتى تتم معالجته بالصورة المطلوبة.. ويواصل الخواض قائلاً: كثيراً ما ينقصنا الدعم سواءً من المحلية أو الولاية والمعلوم أن الموارد المحلية ضعيفة جداً اذا ما قورنت بالخدمات.
أماه سوق كبوشية فقد أجريت دراسة من قبل أحد المسؤولين السابقين لتنفيذ أكشاك وبالفعل بدأ لكنه اصطدم باخطاء أدت إلى توقف العمل، والآن نحن نعيد ذات الدراسة ونقدمها للمعتمد لتنفيذ أكشاك تبنى بصورة مؤقتة لأن منطقة الرواكيب عرضة للفيضانات السنوية.
وحول مشروع كبوشية الزراعي يقول الخواض: الآن بدأت تباشير الشتاء وأكتملت الاستعدادات لانطلاقة الموسم الزراعي خاصة لمحصولي القمح والفول المصري.