كان للنموذج التنموي الغربي الذي أخذت به دول العالم الثالث دور محدود الفاعلية في تغيير الملامح الإقتصادية والإجتماعية، التي كان سائدة بها، بل أدى- كما تبين- إلى إحداث العديد من الإختلالات في النسق العام، ومنه ظلت ثوابت الفقر والبطالة والأمية وتحقيق المستوى الصحي، ملمحا عاما خصوصا لدى القطاعات والفئات الإجتماعية التي حرمت من فرص النمو كما يرى محمد الجوهري.
والنموذج الجديد للإستثمار، لا يؤدي إلى تحقيق التكامل الداخلي للبنية الإجتماعية والإقتصادية، بل يفضي بحكم اعتماده على "تكنيك رأس المال المستورد الذي يتسم بمستوى تكنيكي عال نسبيا، إلى تضاؤل طاقة القطاع الصناعي على استيعاب وامتصاص قوة العمل"، حيث أصبح كل واحد من اثنين من العاملين في المدن عاطلا عن العمل.
نجم ذلك عن اختلال التوازن في سوق العمل، نتيجة اعتماده على آليات خاصة ومؤقتة، فتأخر الريف وعدم توافر إمكانية العمل فيه، دفع بالأعداد المتزايدة من القادرين على العمل إلى البحث عنه في المدن، بما تحويه من مصانع وخدمات. غير أن مبادرة التصنيع في دول العالم الثالث بما تحمله من مصاعب، لم تتوافق مع حجم المتعطلين، الذي بلغ في الجزائر 15 في المئة عام 1987، من إجمالي قوة العمل.
كما إن الطاقة الاستيعابية لقطاع الخدمات الذي يضم العمال غير الماهرين قد تجاوز حدوده القصوى، وهو ما يعني أن العمالة وعرض العمل في هذه المجتمعات، ستظل في تزايد مستمر من جراء البنية المشوهة للنظام الإقتصادي، وانخفاض مستوى القوى المنتجة.
ذلك يقود سياق التحليل إلى توضيح الأسس التي يتم بها توزيع أفراد المجتمع داخل النسق الإقتصادي والإجتماعي، الذي تبين أن هناك هوة تزداد اتساعا بين المؤسسات الإجتماعية، وفئات المجتمع وبخاصة الشباب، هذه الشريحة من المجتمع التي تشير الإحصاءات المتاحة إلى أنها تتزايد باستمرار.
وبالفعل بلغ العدد الإجمالي بحسب الإحصاءات من الفئة العمرية (15- 24سنة) عام 1980، 665 مليون نسمة في العالم الثالث. هذا العدد قابل للزيادة إذا تعلق الأمر بمن هم فوق الأربعة والعشرين عاما وحتى الثلاثين".
ذلك يوضح أن الهرم العمري في دول العالم الثالث يمثل قاعدة عريضة، وارتفاعا منخفضا، غير أن الدارس يدرك أن كبر نسبة الشباب في هذه الدول لا يشكل القوة الفاعلة في دينامية المجتمع، بل اقتصرت على التباهي بالعنصر الشاب، في حين أن إبداع الظروف والأساليب التي تمكنه من بلوغ المستوى الإجتماعي تكاد تنعدم، ما يجعله يعيش التناقض بين المستوى الإجتماعي، والواقع الإجتماعي، ومن ثم يجعل الوضع العام للشباب في اقتصاديات هذه الدول، يتميز بالإحباط لعدم تلاؤم الممارسات مع التوقعات.
كان للمعطيات السابقة دور كبير في توضيح مدى معاناة شباب دول العالم الثالث، من الفروقات في الوضع الإجتماعي والإقتصادي، والتفاوت في الظروف، أي توزيع الثروة. وهي قضية محورية في النظام الإقتصادي، يوضحها الجزء التالي.
3- نصيب الشباب من الدخل
في وصفها لوضع الشباب، الشريحة الإجتماعية ضمن النسق الإقتصادي، تشير الإحصاءات إلى أنه من ضمن 17 مليونا من المتعطلين الحاليين ونسبتهم 40 في المئة، تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين سنة، يعانون صعوبة الحصول على فرصة عمل، نتيجة الركود الإقتصادي الذي تعيشه اقتصاديات دول العالم الثالث، والجزائر واحدة منها.
تبعا لذلك، تتجلى صورة التوظيف لدى دول العالم الثالث، من خلال نشرة مكتب العمل الدولي، إذ تبين من استقصاء دولي، أجري حول آراء الشباب من قضايا أساسية فعالة في تغيراته الإدراكية، أن مشكلة عدم العثور على فرصة عمل من الأمور الجوهرية التي يعانيها شباب دول العالم الثالث، حيث تأكد من الإستقصاء أنه لا أمل في العثور على وظيفة من دون تقديم التأهيل المناسب، وأن الوظائف المتوقعة في القطاع الحديث في الثمانينيات للذين أتموا دراستهم تمثل في الكويت 22،5 في المئة، في الجزائر 28 في المئة، وفي سوريا 72 في المئة، وفي السنغال 21،2 في المئة، وفي غانا 29 في المئة، وفي الفيليبين 74،2 في المئة، وفي التشيلي 66 في المئة.
وما تبين من المؤشرات السابقة هو أن أولئك الذين أتموا تعليمهم ومن المفروض حصولهم على فرص عمل وإدماجهم في الإقتصاد القومي، لم يستوعب منهم القطاع الحديث سوى نسبة ضئيلة، كانت في الكويت 27،6 في المئة، وفي السودان 2،8 في المئة، في سوريا 12،2 في المئة، وفي السنغال 7،7 في المئة، وفي غانا 6،1 في المئة، وفي المكسيك 25،5 في المئة، وفي الفيليبين 8،6 في المئة، وفي الجزائر 7،5 في المئة، وفي التشيلي 25،7 في المئة، وفي الهند 8،9 في المئة، وفي كوريا 17،9 في المئة،... إلخ.
تعكس الصورة السابقة اختلال النظام الإقتصادي في دول العالم الثالث، الناجم عن اعتماده على آليات لم تتمكن من مقاومة المتغيرات الإجتماعية التي أفرزها نظام التنمية، حيث أدى "ثقل التصنيع والإبداع التكنولوجي في البلدان الغربية، الذي اعتمد في بلدان العالم الثالث، إلى ازدياد المسافة الفاصلة بين معدلات البطالة الخاصة بالكبار والشباب، إذ كان 36 في المئة من الشباب من مجموع الذين ضخموا صفوف المتعطلين بين عامي 1973-1975"، وفي عام 1976، شكل الثلث منهم الظاهرة، فإذا كانت هذه الأرقام، لا تعكس الواقع الحي للشباب في الدول الأوروبية التي عرفت تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا، في نظام يهدف إلى تحقيق الربح المالي، فإن السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو:
* ما نوع الشباب العاطل في دول العالم الثالث؟