* ما نوع الشباب العاطل في دول العالم الثالث؟
* ما هي انتماءاته وخصوصيته؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة يمكن استنباطه من إحصاء مكاتب التوظيف لدى هذه الدول، إذ تذكر "أن فئة الشباب الذين قيدوا أسماؤهم لدى مكاتب التوظيف الحكومي، ممن تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة، ويبحثون على أول فرصة يجدونها، لم يوفقوا في طلباتهم الخاصة بالالتحاق بمراكز التدريب، إنهم في عداد البطالين الذين يتضخم عددهم كل سنة".
يلاحظ على المعطيات السابقة، أن النظام الرأسمالي المتبع الذي يقوم على الربح معتبرا العمل سلعة كبقية السلع، هو الذي سد الباب في وجه الشباب دافعا بهم إلى سوق البطالة، فالتمايز الطبقي هو الذي يولد التهميش الذي يولى التمرد على النظام الجائر والنمط المتسلط؛ "فالتنظيم بشكل جبري صارم، يحرم الكثير من فرض المبادرة وتحمل المسؤولية". وأمام الصد المتواصل لشباب الطبقات الدنيا مدة طويلة يضطرون معها إلى البحث عن طريق يسلكه لإشباع حاجاته.
واضح أن النمط التنموي الجديد الذي أريد به تلبية حاجات السكان من السلع، وتأمين العمل لملايين العمال، قد أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة، خصوصا بين الشباب الذي يعد نوعا من الإهدار لعنصر رأس المال، وهو ما يعكس مدى فعالية النظام الإجتماعي في عملية تنظيم المجتمع.
إن عملية الربط بين مؤسسات المجتمع والشباب يوحي بعدة استنتاجات.
أولا، إذا كان مستوى الربط يتم بطريقة منسجمة نسبيا، فإن ما ينتج من علاقات اجتماعية، ومن قيم ثقافية للمجتمع يحصل من دون أزمات خطيرة.
ثانيا، أما عندما يجرى منطق سير العمل والإنتاج في كل هذه المؤسسات وفق اتجاه معاكس لمنطق المؤسسات الأخرى، فإن ما ينتج من علاقات اجتماعية، قد يشوبها الكثير من المشاكل والأزمات.
تأسيسا على ما تقدم، نخلص إلى أن إقصاء الشباب عن سوق العمل يعد السبب الإقتصادي في اغترابهم وانعزالهم عن البناء الإجتماعي، الذي يولد لديهم ثقافة فرعية، تختلف عن ثقافة الجماعة، قد تكون عدوانية تجاه أولئك الذين صدوهم، فالانعزال الإجتماعي كما يرى هارتجن "ينجم عن طريق اقتصاد غير وثيق الصلة بظروف المجتمع، وفئاته المختلفة، وذلك ما يجعل:
- انجذاب الشباب إلى النشاط الذي ينتهك القانون أمرا محتملا.
- أما إدماجهم في النظام الإجتماعي العام السائد، فيقضي على شعورهم بالإهمال، ويقطع الطريق على الإتجاهات التي تدعو إلى التحدي والسلوك الإجرامي.
هكذا تتجلى قضايا الشباب في دول العالم الثالث، في عدم ارتباطها بالبيئة وقضايا المجتمع، حيث يظل الشباب خلالها يعتقد أن المستقبل المتاح أمامه سوف تكتنفه المشكلات الإقتصادية التي منها المجتمع، وعلى الأخص ضعف المرتبات وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم عدم وجود فرص العمل".
ثانيا: في قطاع التعليم
أضحى التعليم يشكل أحد المتغيرات الأساسية، في شتى المجالات والبرامج التنموية، التي شهدها العالم الثالث، في شكل عمليات اجتماعية واقتصادية، تهدف إلى تحويل البنية الإجتماعية والإقتصادية المشوهة الناجمة عن التهميش من خلال ما تعرضت له هذه المجتمعات من نهب لموارد الثروة الوطنية من قبل الرأسمالية والإستعمار.
وبالنظر إلى الدور الرائد للتعليم في تحفيز التنمية الإجتماعية والإقتصادية، يحظى هذا الأخير بأهمية كبيرة، وينعكس ذلك في التخصصات المالية الكبيرة التي تقتطع من الدخل القومي لصالح التعليم، غير أن نسبة الأطفال الذين يحصلون على التعليم في مراحله ومستوياته ما زالت ضعيفة، كما إنه ليس من المتوقع ان تنخفض نسبة الأمية بشكل كبير.
ذلك يفرض توجيه النظر إلى مستوى توجه التعليم في دول العالم الثالث، وإلى العوامل المحيطة بالعملية التربوية.
1- التعليم بين الإكتشاف والتشكيل
يهدف التعليم، في ما يهدف إليه، إلى تثقيف عقل المتعلم وينمي فكره ويربي فيه قوة الإبتكار وسلامة التقويم وروح النقد، مع استقلالية في الرأي. هذه المتغيرات كلها تبعث في ذاته حب العلم.
انطلاقا من تلك المحددات، يصبح التعليم بمدلوله الواسع يعمل على تهيئة الفرص لتكوين شخصية متكاملة، تحمل مقومات النضج والإبتكار، ما يمكنها مستقبلا من مواجهة ضغوط الحياة وصعبوتها والتغلب عليها.
هكذا تتجلى وظائف أي نظام تعليمي، خصوصا في دول العالم الثالث في تشجيع الطموح والثقة والمعرفة، "وتنمي لدى الشباب إحساسهم بالمؤسسة تجاه أنفسهم ونحو مجتمعهم في موقع يسهمون من خلاله في عملية إعادة بناء مجتمعهم". والتعليم بما يتوافر عليه من مقومات، "يمنح الفرص لتنمية مهارات حياتية جديدة للفرد، خصوصا إذا كانت فرص الحصول على هذه العملية الثقافية متساوية في المجتمع، فإذا لم يسهم مباشرة من خلال من ينطوي عليه من مواد وبرامج تعليمية في تنمية إحساس الشباب بالمسؤولية، فإن ذلك معناه أننا فقدنا أهم وسيلة من وسائل التوجيه الإجتماعي للشباب".
بناء عليه يصبح التوجيه السليم المبني على أسس تربوية تراعي مكونات ومراحل الشاب، عملية خلاقة، تثير جوانبه الكامنة، وتؤدي به إلى الأنصهار في بوتقة المؤسسات الإجتماعية، غير أن هذا الجانب الاستشرافي للتعليم لم يجد انعكاسه في واقع هذه الدول. هذا الواقع الذي يشير إلى مساوئ مؤسسات التعليم وعدم ارتباطها بمشاكلها التنموية، "فالبرامج التربوية الجديدة كان ينبغي أن توضع في ضوء مبدأ الإعتماد على الذات، وعلى أساس اجتماعي، معتمدة على الموارد المتوافرة.
ومرتبطة بالظروف الإجتماعية، وهذا ما تعكسه نسبة الأمية التي تشكل نحو 45 في المئة من السكان، إذ لا يصل عدد المسجلين بالمدارس الإبتدائية إلا إلى نحو 46 في المئة فقط من الأطفال في سن التعليم.
إن تذبذب النظام التعليمي في دول العالم الثالث عامة، والدول العربية بخاصة بين النماذج العالمية، أدى به إلى العشوائية والسطحية، لأنه لم يرتكز على وسائل تحققه- يراعى في الواقع المحلي وخصوصية المتجمع- نزع الشباب في سنه المبكرة من بيئته.
إذ يحدث الانفصال بين التعليم من حيث العملية التعليمية والمتعلم، الذي يعانيه الشباب في المجال التعليمي، يتلخص في بعد المقررات الدراسية عن الحياة اليومية، وانعدام التفاعل بين الأساتذة والطلاب، وعدم ارتباط برامج التعليم بخطط التنمية الإجتماعية والإقتصادية على نحو يفتح أمامه آفاقاً أوسع للمستقبل.
أظهر التحليل السالف أن للظاهرة عوامل أثرت في العملية التعليمية في دول العالم الثالث. تتركز أهم هذه العوامل في التوجه الإقتصادي الداخلي لها، لأن ذلك التوجه هو الذي يحدد نمط العلاقة الإجتماعية المراد تحقيقها، وتوزيع الدخول بين الشرائح الإجتماعية.